الفصل 5
زوّار غامضون
في كلٍ من هذه الكرامات ظهرت للخليفة شخصية غامضة لتبلغه بأمر ما.
(43) الخضر (عليه السلام)[1]
التاريخ: 2011
المكان: بنگلور – كارناتاكا
في زيارة الإرشاد الأولى إلى الهند دُعيتُ إلى احتفال بمولد الشيخ عبد القادر الگيلاني قدس الله سره. كان المولد في في بيت خليفة متوفى رحمه الله وكان الذين دعوني من أقاربه وأصدقائه من محبي الطريقة ولكنهم لم يكونوا قد أخذوا البيعة ولم يكن عندهم التزام ديني واقتصرت عباداتهم على إقامة صلاة الجمعة. عندما ذهبت إلى البيت أعجبني وفرحت به لأن فيه آثار الطريقة وإن لم أرَ فيه آثار عبادات، حيث يسعدني تقصّي أي أثر من آثار المشايخ. بعد أن أكملت الإرشاد أخذ أناس كثيرون البيعة. كان هنالك رجال دين وشيوخ وأناس لابسي اللون الأخضر، مما يعني بأنهم قادريّين.
بعد أن أكملت الإرشاد وإعطاء البيعة طلبوا مني أن أقرأ لهم القصيدة الخمرية للشيخ عبد القادر الگيلاني قدس الله سره العزيز. يبدو أنهم كانوا قد استأنسوا بصوتي وإلقائي، وكان بين الحضور ثلاثة أو أربعة رجال دين يتحدّثون اللغة العربية بطلاقة.
بينما كنت أقرأ القصيدة اقترب مني رجل حِنطيّ اللون. بدا نصف وجهه الأسفل من نصف أنفه إلى حنكه يشبه أحد مريدي الطريقة. كانت له لحية خفيفة جداً وكأنها قد شُذِّبَت بعناية، وكانت شواربه محفوفة من جهة الشفة وكأنها قد حُدِّدَت باللون الأبيض، وكانت أسنانه أكثر بياضاً من الثلج. بدا عمره أكثر من خمسين سنة، وكان جميلا جداً. كان لابسا جُبة وعمامة يتشابك فيها اللونان الأخضر والأسود على شكل هرمي.
أقبل الرجل عليّ مادّاً يده قبل الوصول إليَّ وكأنه يومئ لي بأنه قادم للسلام علي. هنالك الكثير من الناس الذين يأتون لزيارتي في الهند، ولذلك فإنني لا أستطيع النهوض لكل من يأتي للسلام عليَّ، فعادة أسلّم عليهم جالساً. أما حين يحاول الناس أن يأتوا للسلام عليّ وأنا خلال الإرشاد فأشير لهم بالجلوس وعدم مقاطعتي أو أعيّن شخصاً يقوم بهذه المهمة نيابة عني. لكن عندما اقترب هذا الرجل مني للسلام شعرت وكأنه أجبرني على الوقوف له، فتوقفت عن قراءة القصيدة ووقفت على قدميّ. وما أن وضعت يدي بيده حتى أصبحت يدي بحجم شاهد المسبحة مقارنة بيده، فأصبحت كفّه يمتد إلى مِرفَقي. انتابني خوف غير طبيعي، وشعرت بجسدي وكأنه أصبح قطعة من الثلج. أحسست بعمودي الفقري وكأنه قد تيبّس من شدة المفاجأة أو الرهبة. كانت هذه أول مرة تصيبني هذه الحالة. كما بدأت أقدامي بالخدر. ثم ابتسم الرجل واحتضنني واضعاً يديه وراء ظهري وجذبني نحوه مرتين وكأنه يريد أن يطقّ ظهري. وشممت نَفَسَه وكانت رائحته عنبر. ثم سحب يديه وتركني وذهب.
بينما لازلت واقفاً استدرت نحو الخليفة الجالس بجانبي وسألته عن الرجل، فرد متعجّباً: «أي رجل»؟ فأجبته بأنني أسأل عن الرجل الذي سلّم علي لتوّه ولكنه ولم يفهم كلامي. حين نظرت إلى الناس أصبح واضحاً لديَّ أنهم لم يلحظوا زيارة الرجل وكأن الحادثة حصلت لي في المنام. فسألتهم عن سبب وقوفي فقالوا بأنني توقفت فجأةً عن قراءة القصيدة ونهضت واقفاً. وخوفاً من أن يستهزوا بي إن استمرّيت في سؤالي أدّعيت بأن عينيَّ قد تزغللتا فجلست. إلّا أنني لم أستطع الكلام بعد ذلك فطلبت الإذن بالمغادرة متعلّلاً بأنني قد تعبت. كان الإرشاد قد اكتمل والناس قد أخذوا البيعة فلم يكن هناك ضرر من مغادرتي.
حين غادرت كنت فزعاً بسبب شعور المهابة الذي تركه ذلك الرجل عليَّ حين أقبلَ عليَّ. ظننت بأنه كان سيدنا الگيلاني قدس الله سره العزيز. حين كنت في السيارة في طريقي إلى البيت حاولت الاتِّصال عدة مرات بالخليفة مجيد حميد، المرافق لشيخنا، ولكن من غير نجاح. بعد أن وصلت إلى مكان إقامتي في منطقة سُداما نَگَر في بنگلور اتَّصَل بي الخليفة مجيد وسألني عن مكالماتي المتعددة، فقلت له بأنني كنت فزعاً. فسمعت حضرة الشيخ قدس الله سره يسأل عن المتكلم فأجابه الخليفة، فقال له حضرة الشيخ بأن يستمع لما لدي، فكان ينقل كلامي مباشرة لحضرة الشيخ الذي قال بعد أن انتهيت من قصّ ما حدث:
ما شاء الله، قل له أن لا يخاف، هذا سيدنا الخضر. مبارك، مبارك! لنكمل الكلام يوم غد.
في ليلة اليوم التالي اتَّصَل الخليفة مجيد لينقل كلام حضرة الشيخ التالي:
هذه همة المشايخ التي مكّنت عماد من رؤية سيدنا الخضر عليه السلام. مبروك له، وليكن حذراً على نفسه.
لقد أوصاني حضرة الشيخ بأن لا انشغل بمثل هذه التجارب الروحية لأنها ليست أسس الطريقة، فالتقوى والالتزام بالأوراد واتّباع أوامر ونواهي الشريعة والطريقة هي الأسس.
(44) مرسال من رسول الله ﷺ
التاريخ: 2/11/2012
المكان: كَوْسَر نگر – بنگلور – كارناتاكا
كان سكني يتكون من غرفة نوم وغرفة جلوس وحمام، وكان مبنياً فوق سطح أحد البيوت، والسطح يطل على الطابق السفلي وشارع جانبي وعلى يمينه ويساره شارعين رئيسيين. سمعت في الساعة العاشرة وخمسين دقيقة صباحا صوتاً جميلاً جداً ينادي باللهجة العراقية: «رغبة للبيع! شهوة للبيع! نفس للبيع! هوى للبيع!». فظننت أن أحد الهنود الذين تعلموا العربية نتيجة العمل في السعودية أو أحد بلدان الخليج يريد ملاطفتي. فسارعت لأرى الذي يكلمني بالعربية في الهند، ولكن لم أجد أحداً على السطح. ثم نظرت إلى الشارع الجانبي فتفاجأت بأنه كان خالياً تماماً من الباعة والناس، رغم أنه عادة يعجُّ بهم في مثل هذا الوقت من الصباح. ففكرت باحتمال أن يكون السبب وجود بعض الحفريات التي منعت عربات التجار من المجيء وبالتالي لم يأتِ أحد من الناس. لكن حين دقّقت النظر لم أجد أية حفريات، كما لاحظت بأن الشارعين الرئيسيين كانا مزدحمين كشأنهما في ذلك الوقت من النهار. كان شارعنا الجانبي وحده خالياً وكأنه قد هُجِرَ منذ عشرين سنة، وكأن ما كان يحدث قد هَيْمَنَ على المكان.
كنت على وشك العودة إلى غرفتي حين سمعت نفس الصوت ينادي: «هنا، هنا»، وكان الصوت يأتي من شجرة كبيرة عالية تطلُّ على البيت. حين رفعت رأسي رأيت على الشجرة، على بعد متر ونصف أو مترين، طائراً بحجم طائر الحَجَل يخلب القلب بجماله. كان لون الطير أخضر رائع، ولكن ليس الأخضر المألوف، وكان لون جناحيه أزرق، وقمة رأسه لونها أخضر غامق فسفوري، وكان لون منقاره ورجليه برتقالي. أحياناً يرى المرء في الرؤيا لوناً يشبه لوناً مألوفاً ولكن من غير أن يشبهه تماماً. فأنبهرت وتساءلت إن كان يمكن للصوت أن يأتي فعلا من ذلك الطير، بينما كان الطير ساكتاً، ساكناً سكوناً رهيباً. فأحنى الطائر رأسه ببطئ حتى أصبح منقاره في إتجاهي مباشرة وهزّ رأسه يميناً ويساراً بعلامة النفي وقال: «لن نتركك»، ثم طار بإتجاه القبلة. فلم تعد رجلاي قادرتان على أن تحملاني فسقطت على الأرض وفقدت الوعي. بعد أن استفقت سجدت شكراً لله.
في الليل طلب حضرة الشيخ من الخليفة مجيد أن يتّصل بي ليسأل عما إذا كان قد حصل لي أي أمر في ذلك اليوم. فأجبت بحدوث شيء غريب جداً وبدأت بإخباره وهو ينقل القول إلى حضرة الشيخ. وما أن بدأ قال الخليفة مجيد بالقول بأنني شاهدت طيراً وقبل أن يكمل الوصف قاطعه حضرة الشيخ قائِلاً: «هذا مرسال من رسول الله ﷺ أرسله إليه ليثبّت به فؤاده».
(45) مأمور الطريقة
التاريخ: 7/12/2012
المكان: قريتان قرب كاڤيريپاتّنام – كريشناگيري – تاميل نادو
تسكن هذه القرية الصغيرة غالبية هندوسية، فبدأت بإرشاد خليط من المسلمين والهندوس وأعطيت بيعة إلى واحد وعشرين شخصاً. ثم ذهبت إلى قرية مجاورة شبيهة ليس فيها مسجد لكن فيها مسلمين يذهبون إلى القرية القريبة ليصلّوا الصلوات الخمس وأعطيت في هذه القرية البيعة إلى سبعة عشر شخص.
قبل مغادرتي القرية جاءني أربعة رجال سلفيون ومعهم رجل خامس يرتدي مثلهم لباساً أبيضاً وغطاء رأس ولكن تميّز عنهم بوجهه المشرق. فنهضت احتراماً للمصحف الذي كان يحمله أحدهم وقام كل من كان معي. تعلّمت الوقوف احتراماً للمصحف من أستاذي حضرة الشيخ مُحَمَّد الكَسْنَزان. بعد أن جلسوا قال حامل القرآن: «أين ما جئت به في كتاب الله؟»، قلت: «وبماذا جئتُ؟»، قال: «الطريقة والأوراد». قلت:
يا أخي افتح سورة الجن وستجد ذكر الطريقة في قوله تعالى: ﴿وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا﴾ (الجن/16).
ثم سألته عن معنى الطريقة، فقال بأنه لا يدري، فشرحت له بأنها: «ما جاء به حضرة الرسول الكريم من العبادات والأوامر والنواهي». فأدهشه الجواب وغضب مني جداً، وفجأة رأيت الرجل ذا الوجه المشرق الذي قدم معهم يعضَّ شفته ويومأ لي، وكأنه يطلب مني أن أبقى هادئاً ولا أقابل الغضب بمثله. ثم عرضت عليهم أخذ البيعة، فقالوا: «لقد نهانا إمام المسجد عن أخذ البيعة». فجادلتهم قائِلاً: «آيات الذكر في القرآن كثيرة فاقرأوها وتعلموا كيف تتقربون إلى اللَّه بذكره سبحانه وتعالى»، فانصرفوا.
العجيب في الأمر هو أنهم عند انصرافهم كانوا أربعة أشخاص إذ لم يكن الرجل الجميل الطلعة موجوداً عند انتهاء الحوار. فسألت الأخوة الذين كانوا معي عن عدد النفر الذين قدموا، فقالوا أربعة، فأدركت بإنني الوحيد الذي رأى الرجل الخامس. عندما أخبرت حضرة الشيخ قدس الله سره العزيز بالأمر فَسّره قائِلاً: «هذا مأمور الطريقة».
(46) رسول لا يناله المطر
التاريخ: 5/11/2012
المكان: على الشارع الرئيسي بين تاميل نادو وكارناتاكا
في طريق عودتي من قرية أعطيت فيها الطريقة إلى اثنين وعشرين شخص تعطّلت السيارة. كان الجو يمطر بغزارة فاضطررت إلى البقاء في السيارة لا أستطيع مغادرتها، ولكني علمت بأن هذه إشارة من المشايخ فبقيت جالساً مع السائق لمدة ساعتين متواصلتين. بعد حين طرق نافذة السيارة رجل من الفقراء.[2] بدا في أواخر الخمسينات وكانت لديه لحية خفيفة متناثرة لا تغطي كل وجهه، لكن لم يكن شكله متميزاً. ألقى الفقير السلام بالعربية: «السلام عليكم»، ففتحت النافذة ورددت السلام. ثم مد يده فأعطيته خمسمائة روبية، فإذا به يفاجأني بالسؤال: «كم تريد مكانها؟»، قلت: «أنت أكرِمْني». قال: «إن شاء اللَّه ستكتمل اليوم». قلت: «ما هي؟»، قال: «ستكتمل»، ومشى. لاحظت في تلك اللحظة بأن ملابسه كانت جافّة تماما رغم غزارة المطر، فترجّلت من السيارة وركضت وراءه. فأمسكت به وقلت: «بالله عليك ما هي التي ستكتمل اليوم؟»، قال: «مشكلتك التي قدمت لأجل حلّها»، ثم صنع إشارة مستطيل. قلت: «من أنت، أسألك بالله؟»، قال: «هو يعرفني». قلت: «من يعرفك؟»، قال: «هو» وتركني. أثناء هذا الحوار القصير أبتلَّ جسدي بالكامل بينما لم تقع قطرة مطر واحدة على الرجل.
حين سألت حضرة الشيخ لاحقاً عن هوية الفقير أجابني بأنهم، أي المشايخ، يعرفوه وأن لا أشغل بالي بهويته.
عند عودتي إلى أرض التكية جاءني أصحاب الأرض وقالوا بأنني يجب أن أسجّل الأرض الآن وإلّا سأفقدها، لأن صاحبها الاصلي سيرفع سعرها في اليوم التالي، حيث إن هذا قانون الهند. فذهبت مع الخلفاء وسجّلت الأرض ذلك اليوم. علماً بأن أرض التكية هي مستطيلة الشكل، كالإشارة التي صنعها ذلك الرجل.
(47) الشيخ عيسى الأحدب[3]
التاريخ: 2013
المكان: كوسَر نگر – بنگلور – كارناتاكا
في وقت حدوث هذه الكرامة، كانت هنالك في بنگلور فقط تكايا صغيرة في بيوت بعض الخلفاء. وكنت حينها مهموماً بحاجتي إلى مبلغ خمسة ملايين روبّية لإكمال شراء الأرض التي وجدنها لبناء تكية بنگلور، وكان أمامي شهرين للحصول على هذا المبلغ الكبير. عندما كان حضرة الشيخ يتّصل ليسأل عن الإرشاد في الهند كنت أحياناً أذكر له بأني أتمنّى الحصول على النقود التي أحتاجها للتكية، فكان حضرة الشيخ يطمأنني بأن مشايخ الطريقة هم الذين أرسلوني وإن شاء الله سيساعدونني.
في الثانية وعشرين دقيقة بعد منتصف ليلة، وبينما كنت مشغولاً بأورادي، سمعت خشخشة على باب البيت، فظننت بأن مصدرها طيور كانت لها أعشاش على سطح البناية، حيث كانت شقتي على السطح. فاستمريت بقراءة أورادي، ولكني سمعت هذه المرة بوضوح طرقات عديدة متتالية على الباب. توجّست خوفاً لأن الوقت كان في أول ساعات اليوم ولم أكن اتوقّع زيارة أحد، فظننت أن الزائر قد يكون شخصاً يريد بي السوء. فأنرت المصباح الموجود خارج الباب وسألت عن هوية الطارق، فردّ صوت ضخم جميل بعربيّة ذات لكنة: «أفتح الباب يا خليفة شيخ مُحَمَّد». وبين التعجّب والحذر من هويّة الزائر، وضعت قدمي اليسرى أمام الباب لكي لا يستطيع الزائر الغامض دفعها وفتحها عنوة أكثر من الفتحة الصغيرة التي تجعلني أراه، وجهّزت نفسه لأنقضّ عليه إذا حاول مهاجمتي.
فلمّا فتحت الباب، شاهدت رجلاً أحدباً يتجاوز عمره الخامسة والستّين، وكان يرتدي لباساً أبيضاً وعلى رأسه عمامة بيضاء ملفوفة تتوسطّها قلنسوة لونها أبيض وأصفر. كان للزائر المحني الظهر وجه جميل ولحية خفيفة على ذقنه. فسألته من هو، فأجاب: «أنا الأحدب!! لم يقل لي ذلك التقديم كفاية عنه، فسألته عما يريد. فمدّ يده إلى صدره ليخرج شيئاً، فتهيّأت لأهجم عليه إذا سحب سكيناً أو سلاحاً ما، ولكنه أخرج خمسة أوراق نقدية من فئة المئة روبية وقدّمها لي وقال: «لقد أرسلوا لك هذه. كل مئة تساوي مليوناً». فسألت مستفسراً: «من هم؟»، فأجاب زائري: «خذهنَّ يا بني، خذهنَّ، وفّقك الله يا بني، وفّقك الله»، فأخذت النقود.
فلما اطمأننت إلى الرجل، دعوته إلى الدخول، ولكنه قال: «لا أستطيع يا بنيَّ فالسيّارة تنتظرني» وأشار إلى أسفل البناية، ثم قال «السلام عليكم» واستدار وذهب. خرجت من الشقة إلى سطح البناية، ونظرت إلى الدرج وأسفل البناية فانذهلت حين لم أرَ الرجل ولا السيارة، إذ لم يكن هنالك وقت للرجل لينزل كل تلك الدرجات، ناهيك على أن يكون قد استقلّ السيارة وأن تكون قد اختفت عن الأنظار. انتابني خوفٌ من نوع آخر وبدأ أتعرّق بشدة، فعدت إلى غرفتي وقفلت الباب، وظننت بأن النقود قد أختفت مثلما اختفى الرجل، ولكني انتبهت إلى أنها كانت لاتزال في يدي. كانت الأوراق الخمس جديدة وذات أرقام متسلسلة.
بعد حوالي ساعة اتّصل حضرة الشيخ ليسألني عن فعاليّات الإرشاد في اليوم السابق. فقلت له بأنه حصل له شيء لا يُصدَّق، فأجاب حضرة الشيخ بأن كل شيء يمكن أن يحصل أثناء الإرشاد. قصصت ما حدث فعلَّقَ حضرة الشيخ قائلاً: «ألم أقل لك بأنهم سيساعدوك؟ إن زائرك هو الشيخ عيسى الأحدب».
خلال الشهرين التاليين للزيارة توالت التبرّعات للتكية حتى أكتمل مبلغ الخمسة ملايين المطلوب، كما وعد الشيخ عيسى الأحدب.
[1] الخضر هو ولي ذو منزلة عالية لازال حيّاً منذ قرون كثيرة. ويُعتَقَد بأنه الشخص الذي أرسل الله موسى للقائه والتعلّم منه والذي وصفه عز وجل بأنه ﴿عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا﴾ (الكهف/65).
[2] الفقير في الهند هو إما درويش من طرق أخرى يستعطي الناس أو زاهد هندوسي جوّال.
[3] الشيخ «عيسى الأحدب» هو حفيد حفيد الشيخ «عيسى البرزنجي» جد كل السادة البرزنجية. والسيّد عيسى الأحدب هو أحد أجداد حضرة الشيخ مُحَمَّد الكَسْنَزان. يُروى بأن سبب تحدّب ظهره أنه كان القرآن يُقرأ في مجلسه فلما وصل القارئ إلى الآية الكريمة: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ (الأحزاب: ٧٢)، صاحَ صيحةً عظيمةً واضطرب حاله ثم حنى رأسه وانحنى ظهره ولم يستوِ بعد ذلك.