التقويم المُحَمَّدي
إن لولادة النبي ﷺ مكانة مقدَّسة فريدة بين الأحداث الإسلامية عند مشايخ الطريقة، لأنه نبي الإسلام، وصاحِب القرآن، وسبب هداية الناس. فولادة الرسول ﷺ هو تاريخ حلول نور الله بين الناس: ﴿قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّـهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ﴾ (المائدة/15)، وهو تاريخ إرسال الله لرحمته للعالمين: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء/107). ويصف الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الولادة النبوية الشريفة بأنها «ولادة النور على كوكب الأرض، ولادة النور، ميلاد الروح، ميلاد الوجود. الكل مخلوق لأجله، الكل تابع له، الحبيب، المصطفى ﷺ».[1] ويشير أستاذنا هنا إلى أن نور النبي ﷺ كان أول ما خلقه الله عز وجل وأن الخلق كان من أجله. ورافقت هذا الحدث الكوني الفريد الكثير من المعجزات، ومنها ارتجاج إيوان كِسرى وسقوط أربع عشرة شرفة منه، وانخماد النار التي كانت تُعبَد في بلاد فارس، وانحسار مياه بحيرة ساوة، وغيرها.[2]
فالاحتفال بالمولد النبوي الشريف من أعظم الشعائر الدينية في الطريقة. فالرسول ﷺ هو باب الوصول إلى الله، وذكره والصلاة عليه هما من أبواب ذكر الله، وحبّه ينمّي في القلب حب لله ويحبِّب العبد إلى الله، حتى قال الله عز وجل في ضرورة تفضيل المسلم للرسول ﷺ على كل شخص وشيء:
﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّـهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ (التوبة/٢٤).
فالمسلم الذي لا يحتفل بمولد الرسول ﷺ عليه ألا يحتفي بأحد أو بشيء، فالاحتفال بالولادة المجيدة إقرارٌ بفضل الله على الناس بإرساله لنبيه الكريم ﷺ وطاعةٌ لأمره. ولمشايخ الطريقة والعلماء الكثير من الأقوال في فضل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، ومن ذلك قول الشيخ حسن البصري: «وَدَدتُ لو كان لي مثل جبل أحد ذهباً لأنفقه على قراءة مولد الرسول ﷺ».[3]
وكاحتفال دائم بالولادة المحمّديّة المباركة وكعمل يعظِّم ويبجِّل شخص الرسول الكريم ﷺ، طَرَح الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في ليلة المولد النبوي الشريف 12 ربيع الأول 1412 هجري الموافق 19 أيلول 1991 ميلادي مبادرة وضع تقويم قمري جديد يؤرِّخ الأحداث نسبة إلى ولادة الرسول ﷺ. وقادَ شيخنا فريقاً بحثياً من مريدي الطريقة لتنفيذ هذا المشروع تشرّفت بأن كنت أحدهم.
ولمثل هذا التقويم الجليل فائدة كبيرة لدارسي التاريخ الإسلامي لأنه يؤرِّخ الأحداث نسبة إلى البداية الحقيقية للتاريخ الإسلامي، وبذلك فإنه يمثِّل حلاً عملياً ناجحاً للتخلص من إحدى عقبات دراسة التاريخ الإسلامي المُبكِّر. فعند تدوين التاريخ الإسلامي، يُقسِّم المؤرخون عادة هذا التاريخ، بشكل غير مباشر، إلى ثلاث حقب تُؤَرَّخُ وفقاً لثلاث سنين مرجعية مختلفة. إذ تشمل الحقبة الأولى الفترة بين ولادة الرسول ﷺ وبداية نزول القرآن العظيم. فعلى سبيل المثال، تذكر كتب السيرة بأن الرسول ﷺ تزوّجَ من السيدة خديجة حين بلغ «خمساً وعشرين سَنَة»،[4] وبأنه حكم في خلاف قبائل قريش حول وضع الحجر الأسود في الكعبة، الذي كاد أن يقود إلى حرب طاحنة بينهم، عندما كان له «خمساً وثلاثين سَنَة».[5] فسَنَة ولادة الرسول ﷺ هي السَنَة المرجعية لهذه الحقبة.
وتمثّل الحقبة الثانية الفترة من بداية نزول القرآن العظيم ولغاية الهجرة النبوية، حيث تُؤرَّخ نسبة إلى سَنَة نزول الوحي. فمثلا يُقال بأن هجرة المسلمين الأولى إلى الحبشة كانت في «رجب من السَنَة الخامسة من حين نُبِّى رسول الله ﷺ»،[6] وأنَّ خروج الرسول ﷺ إلى الطائف كان في «ليال بقينَ من شَوّال سَنَة عشر من حين نُبِّى رسول الله ﷺ».[7]
أما الحقبة الثالثة فهي التالية للهجرة، وأُرِّخَت أحداثها باستخدام التقويم الهجري، أي أنَّ سَنَتَها المرجعية هي سَنَة الهجرة. وهكذا نجد أن أحداث العصر الإسلامي الأوَّل قد أُرِّخت نسبة إلى ثلاث سنين مرجعية مختلفة، أي ما يماثل استخدام ثلاثة تقاويم مختلفة.
ليس التقويم «الميلادي المُحَمَّدي»، أو اختصاراً التقويم «المُحَمَّدي»، بديلاً عن التقويم الهجري. ولكن إضافة إلى دلالاته الدينية، فإنه يمكن أن يكون ذا فوائد عملية مهمة لاستخدامه عام الولادة النبوية الشريفة سَنَةً مرجعيّة مشتركة لكل حقب التاريخ الإسلامي.
وتتكون السَنَة المُحَمَّدية من إثني عشر شهراً يبدأ كل منها بأول رؤية لهلال ذلك الشهر، كما هو الحال في التقويم الهجري. ولكون هذا التقويم يحتفل بالولادة النبويّة المجيدة، فان شهر ولادة الرسول ﷺ هو أوّل شهوره وسَنَة الولادة الشريفة هي أولى سنينه، فيكون تاريخ الولادة الشريفة حسب التقويم المُحَمَّدي هو 12 / 1 / 1. فالسَنَة المُحَمَّدية تبدأ بعد السَنَة الهجريّة بشهرين، لأن الشهر الهجري لولادة الرسول ﷺ، ربيع الأوّل، هو ثالث شهور السَنَة الهجريّة، حيث أن تسلسل أشهر السَنة الهجرية هو نفس تسلسلها في التقويم الذي استخدمه العرب قبل الإسلام. وقد أطلق شيخنا على العام الأول للتقويم المُحَمَّدي تسمية «عام النور»، بدل تسمية «عام الفيل» الشائعة، نسبة إلى وصف الله عز وجل للنبي مُحَمَّد ﷺ بأنه «نور» في هذه الآية الكريمة: ﴿قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّـهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ﴾ (المائدة/15).
لما كان التقويم المُحَمَّدي هو تقويم إسلامي يهدف إلى التذكير برمز الإسلام الأول، الرسول مُحَمَّد ﷺ، والإسلام بشكل عام، فقد اُختيرت أسماء أشهره لتمثّل شخصياتٍ ورموزاً وأحداثاً إسلامية عظيمة. ولكي تكون لأسماء الأشهر أبعاد ودلالات تاريخية فقد رُوِعيَ عند اختيارها ارتباط كل منها بحادثة وقعت في الشهر الذي يحمل ذلك الاسم. وفيما يلي أسماء الأشهر المُحمَّدية ودلالاتها وأسباب اختيارها:
1) النُور: هذا شهر ولادة الرسول ﷺ. وكما أطلق شيخنا على عام ولادة النبي ﷺ اسم «عام النور»، فإنه اقتبس اسم هذا الشهر المبارك من هذا الوصف القرآني للنبي ﷺ.
2) القُدْس: وهي إحدى المدن الإسلاميّة المُقدَّسة حيث تحتضن المسجد الأقصى الذي أُسري إليه بالرسول ﷺ وعُرِجَ به منه إلى السماء. وفي هذا الشهر حَرّر القائد صَلاح الدين الأيّوبي مدينة القدس في معركة حطين الشهيرة (637 مُحمَّدي / 583 هجري).
3) الكَرَّار: في هذا الشهر فُتِحَت خيبر (61 مُحمَّدي / 7 هجري). بعد حصار دام خمسة عشر يوماً، هاجم جيش المسلمين هذه المدينة الحصينة لمدّة يومين، ولكنها استعصت عليهم. فلما عاد الجيش في اليوم الثاني من دون أن ينجح في فتحها قال الرسول ﷺ قوله المعروف: «أما والله لأُعْطِيَنَّ الرايةَ غداً رجُلاً يُحِبُّ اللهَ ورسولَه ويُحِبُّهُ اللهُ ورسولُه، كَرّاراً غير فَرّار يأخُذها عنوة».[8] ثم أرسل في اليوم التالي في طلب الإمام عليّ بن أبي طالب وأرسله لفتح الحصن، فتم الفتح على يديه.
4) الزَهْراء: لقب السيدة فاطِمةُ بنت الرسول ﷺ التي ولدت في العشرين من هذا الشهر (38 مُحمَّدي / 17 قبل الهجرة). قال الرسول ﷺ في فضل السيدة فاطمة الزهراء: «إِنَّما فاطِمَةُ بضعَةٌ مني يُؤذيني ما آذاها».[9]
5) الإسراء: الشهر الذي أسرى فيه الله سبحانه وتعالى بالرسول ﷺ من المسجد الحرام في مَكّة المُكرَّمة إلى المسجد الأقصى في القُدْس (52 مُحمَّدي / 3 قبل الهجرة): ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ (الإسراء/1).
6) القادسيّة: في هذا الشهر وقعت معركة القادسية التي انتصر فيها المسلمون على جيش الإمبراطورية الساسانية الفارسية (69 مُحمَّدي / 15 هجري) وقادت إلى فتح العراق.
7) رمضان: اسم هذا الشهر المبارك في القرآن العظيم: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ﴾ (البقرة/18).
8) النَصْر: شهد هذا الشهر انتصار المسلمين على الأحزاب من قريش وحلفائها في معركة الخندق (59 مُحمَّدي / 5 هجري).
9) البَيْعة: هذا شهر بيعة الرضوان (60 مُحمَّدي / 6 هجري) التي ذكرها القرآن العظيم: ﴿لَّقَدْ رَضِيَ اللَّـهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ (الفتح/18).
10) الحَج: شهر حجّ المسلمين إلى بيت الله الحرام.
11) الهِجرة: أول أشهر السَنَة الهجريّة.
12) الفتوح: شهد هذا الشهر فتح نهاوند والمعروف باسم «فتح الفتوح» (74 مُحمَّدي / 21 هجري)، لأنه كان من المعارك الحاسمة في الفتح الإسلامي لفارس. كما وقعت في هذا الشهر عدد من المعارك المهمة، كغزوة الأبواء أو وَدَّان (55 محمدي / 2 هجري)، أول غزوة للمسلمين، وفتح المدائن عاصمة الإمبراطورية الساسانية (69 مُحمَّدي / 16 هجري).
جدول 14-1: الأشهر المُحَمَّدية ومقابلاتها الهجريّة
المُحَمَّدي | الهجري | ||
التسلسل | الاسم | التسلسل | الاسم |
1 | النور | 3 | ربيع الأول |
2 | القُدْس | 4 | ربيع الثاني |
3 | الكَرّار | 5 | جمادى الأولى |
4 | الزهراء | 6 | جمادى الآخرة |
5 | الإسراء | 7 | رجب |
6 | القادسية | 8 | شعبان |
7 | رمضان | 9 | رمضان |
8 | النَصْر | 10 | شوّال |
9 | البَيْعة | 11 | ذو القعدة |
10 | الحَج | 12 | ذو الحجة |
11 | الهِجرة | 1 | محرم |
12 | الفتوح | 2 | صفر |
الأشهر المُحَمَّدية ومقابلاتها الهجريّة
صفحات التقويم المُحَمَّدي الذي نشره الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان في عام 1466 محمدي الموافق 1991 ميلادي
يتقدم التقويم المُحَمَّدي على نظيره الهجري بثلاثة وخمسين عاماً وعشرة أشهر، وهي المدة الزمنية بين بداية السَنَة المُحَمَّدية الأولى، أي عام النور، وبداية السَنَة الهجريّة الأولى. فاليوم من الشهر لا يتغيّر بين التقويمين، لأن كليهما يتّبعان الشهر القمري الذي يبدأ برؤية الهلال، ولكن الشهر والسَنَة يتغيّران. وسنرى فيما يلي كيفية التحويل بين التواريخ الهجريّة والمُحَمَّدية.
[1] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 19 تشرين الثاني 2018.
[2] الأصبهاني، دلائل النبوة، ص 139.
[3] البكري، إعانة الطالبين، ج 3، ص 364.
[4] ابن هشام، سيرة النبي ﷺ، ج 1، ص 242.
[5] ابن هشام، سيرة النبي ﷺ، ج 1، ص 248.
[6] ابن سعد، كتاب الطبقات الكبير، ج 1، ص 173.
[7] ابن سعد، كتاب الطبقات الكبير، ج 1، ص 180.
[8] أبو الفداء، المختصر في أخبار البشر، ج 1، ص 140.
[9] مسلم، صحيح مُسلم، ج 4، ح 2449، ص 1903.