الصلاة على النبي ﷺ
كان شيخنا يؤكّد باستمرار على أهمية الصلاة على الرسول ﷺ ويحثّ المريدين عليها، ويصفها بأنها «أعظم هدية لأمة الرسول ﷺ».[1] فالصلوات على الرسول ﷺ تتحوّل إلى حب له ﷺ في قلب المريد، وهذا الحب يتحوّل بدوره إلى حب لله عز وجل.[2] وكان يستشهد بالآية الكريمة: ﴿إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (الأحزاب/٥٦)، مبيّناً بأن الصلاة على النبي ﷺ هي «صفة الله». وعلّق بأن «الأمر الرباني في الآية الكريمة جاءنا بصورة قرآنية جديدة تتميز وتختلف عن بقية صيغ الأوامر الربانية الأخرى في القرآن الكريم» التي تبدأ بالأمر مباشرة، مثل قوله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة/183). واستطرد مفسّراً:
«ولكن حينما كان الأمر بالصلاةِ على رسول الله ﷺ جاء الأمر بصيغةٍ أُخرى، فابتدأ الله عز وجل هذه الآية الكريمة بقوله: ﴿إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾، ليشير إلى أنَّ مقامَ الصلاةِ على النبي ﷺ مقامُ تشريفٍ للعبادِ إضافةً إلى أنه مقامُ تكليفٍ يُراد به طلبُ الفعل. فالصلاةُ على النبيِّ ﷺ مقامُ تشريف وتكليف في آن واحد، فكأن الله عز وجل يقول لعبده: «أنا أًصلّي على حبيبي، وملائكتي يصلّون على حبيبي، فإذا صَلّيتَ عليه كنتَ حاضراً معي ومع ملائكتي في هذا المقام الرفيع»».[3]
كان الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد كثير التذكير بالأحاديث الشريفة في فضل الصلاة على الرسول ﷺ كقوله: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا».[4] ومن أقواله في عظمة الصلاة على النبي ﷺ: «لا يعرف أسرار الصلاة سوى الله والرسول ﷺ والراسخون في علم الروح». كما كان يؤكّد على أن أي دُعاء يجب أن يُسبَق ويُتَخَلَّل ويُختَم بالصلاة لكي يُستَجاب، فيجب «تغليف» الدعاء بالصلاة على النبي ﷺ.[5]
وبُشِّر شيخنا قبل الساعة الثالثة من فجر يوم 11 آب 2017 بأنه ما إن ينوي الشخص الصلاة على الرسول ﷺ ويجهز نفسه وسبحته لها حتى يغفر الله تعالى له ذنوبه ببركة الرسول ﷺ. ووصف الصلوات على النبي ﷺ بأنها باب قضاء الحاجات وحل المشاكل، فكان ينصح الدراويش الذين يخبرونه عن حاجات لهم وصعوبات ومشاكل بأن يُكثِروا من الصلاة على الرسول ﷺ. وكان دائم الحديث في مواعظه عن خصوصيّة الصلاة على النبي ﷺ، كما في هذه الموعظة:
«دائماً طيّبوا عبادتكم، نومكم، أكلكم، شربكم، عملكم، ذهابكم وإيابكم، صلاتكم — طيّبوها كلّها بالصلوات على حضرة الرسول ﷺ. إن مفتاح كل شيء، كل القضايا الروحية الموجودة، النازلة من الله سبحانه وتعالى، هو الصلوات على حضرة الرسول ﷺ. هي مفتاح كل شيء، مفتاح الدنيا والآخرة، مفتاح الجنة، مفتاح السماء، مفتاح الأرض، مفتاح قبول الدعاء، مفتاح قبول العبادة، مفتاح الذكر. فالصلوات على حضرة الرسول ﷺ هي نواة كل العبادات الموجودة في الإسلام، لأنها صفة الله، حيث أمَرَ: ﴿إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾، يأمر أهل الإسلام، أهل الإيمان: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾. لذلك دائمًا نوّروا قلوبكم، وأعمالكم، ونومكم، ويقظتكم، وأكلكم، وشربكم، وكل حركة لكم نوّروها بالصلوات وسترون ما ينكشف لكم. فإن شاء الله تكونوا دائمًا في حفظ الرحمن، في حفظ حضرة الرسول ﷺ».[6]
وهنالك ما لا يُحصى من الكرامات عن بركة الصلاة على النبي ﷺ. رأى الشيخ عبد الكريم في ليلة نوراً يصعد من بيت مقابل لبيته في كركوك ويصل إلى العرش، وبقي هذا النور حتى وقت الفجر. فأرسل في الصباح في طلب ساكن البيت وهو درويش اسمه «عبد الله» (رحمه الله). ولما سأله عمّا كان يعمله في الليلة الماضية، قلق الدرويش من السؤال، ظنّاً بأن فيه اتّهاماً له، فأنكر عمله لأي أمر سيئ. فكرّر الشيخ عبد الكريم سؤاله بصيغة مطمئنة بأن سأله إن كان جالساً أو أنه كان يصلّي أو يقوم بعمل معيّن، فأجاب الدرويش بأنه كان يقرأ كتاب «دلائل الخيرات»، وهو كتاب جمع فيه مُحَمَّد بن سليمان الجَزْوْلي صيغاً مختلفة للصلاة على الرسول ﷺ، وكان الشيخ عبد الكريم قد أجاز للدراويش قراءته. فكانت قراءة الدرويش للصلوات على النبي ﷺ هي سبب ذلك النور المستمر الصاعد من بيته إلى السماء. ونشر الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد في عام 1990 أيضاً كتاباً عنوانه «الصلوات الكَسْنَزانيّة» جمع فيه عدداً من صيغ الصلاة على رسول الله ﷺ. وكان له أيضاً مشروعاً مستمراً لجمع مختلف صيغ الصلوات على النبي ﷺ.
في ثمانينيّات القرن الماضي، بلّغ مشايخ الطريقة أستاذنا بهذه الصلاة الجديدة على النبي ﷺ: «لا إله إلا الله، مُحَمَّد رسول الله، صلّى الله تعالى عليه وسلم». وأضاف إليها في عام 2006 عبارة «في كل لمحةٍ ونَفَس، عدد ما وَسِعَهُ عِلمُ اللَّـه» فأصبحت صيغة الصلاة هي «لا إِلهَ إِلَّا اللَّـه مُحَمّدٌ رَسولُ اللَّـهِ صَلّى اللَّـهُ تَعالى عَلَيهِ وسَلَّمْ، في كل لمحةٍ ونَفَس، عدد ما وَسِعَهُ عِلمُ اللَّـه». وهذه الصلاة هي من ضمن الأذكار اليومية بعد صلاتي الفجر والعِشاء.
وفي الشهر السابع من عام 1996، أُكرِمَ شيخنا بالصلاةٍ الوصفية التي وصفها في حينها بأنها «خاتمة الصلوات الكَسْنَزانِيّة». وفي أهمية هذه الصلاة التي اختصّ بها الله عز وجل الطريقة الكَسْنَزانيّة يقول شيخنا:
«نحن لدينا الصلاة الوصفية: «اللهُمَّ صَلِّ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّد الوَصْفِ والوَحْيِ والرِسالَةِ والحِكْمَةِ»، هذه كلّها مُحَمَّد، «وعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وسَلِّمْ تَسْليما». لا تنسوا بأن تكون هي أول ما تبدأون به أمور حياتكم، قبل أن تأكلوا، قبل أن تشربوا، قبل أن تناموا، وحالما تستيقظون. أبدءوا كل شيء بالصلاة على حضرة الرسول ﷺ، لأن الرسول ﷺ هو ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ (التوبة/128). أنت تستفاد حين تقرأ الصلاة، كما تقول هذه الآية الكريمة، لأنه رؤوف رحيم بك يا مريد يا مؤمن».[7]
ويأتي اسم هذه الصلاة بـ «الوصفية» من كونها تصف النبي ﷺ بأنه «الموصوف الكامل»، و «الوحي الإلهي»، و «رسالة الله إلى الناس»، و «الحكمة الربّانية». فما أنزل الله عز وجل من أوصاف جميلة ووحي ورسالة وحكمة تجسّدت كلّها في النبي مُحَمَّد ﷺ.
وأضاف شيخنا مئة مرة من الصلاة الوصفية إلى الذكر اليومي بعد صلاة العشاء. كما حلّت الصلاة الوصفية محل الذكر اليومي غير المقرون بوقتٍ معين «اللهُمَّ صلِّ على سيِّدنا محمّد وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلِّم تسليما» الذي يُقرأ يومياً ألف مرة على الأقل، كما أخذت الصلاة الوصفيّة محلّ هذه الصلاة أيضاً في الأذكار الدائمة.
وبسبب القوة الروحية الخاصة للصلاة الوصفية كان الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد يأمر الدراويش أحياناً في ظروف معيّنة بأن يقوموا بختمة منها، أي قراءتها مائة ألف مرّة.
[1] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 12 أيلول 2013.
[2] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 3 أيلول 2017.
[3] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، الطريقة العَلِيّة القادِريّة الكَسْنَزانِيّة، ص 14-15.
[4] مسلم، صحيح مُسلم، ج 1، ح 408، ص 306.
[5] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 3 تشرين الأول 2013.
[6] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 20 آذار 2014.
[7] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 18 تشرين الأول 2013.