خصوصيّة الأذكار
إن في ذكر الله جلاء القلوب وحياتها، كما قال النبي ﷺ. ومثلما أن لكل علة بدنية في الجسد المريض علاجات كيميائية أو عشبية، فإن لكل مرض روحي أذكاراً خاصاً لتطبيب القلب. فهنالك الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة التي تؤكّد خصوصية أذكارٍ معينة، بل وتحدّد قراءة تلك الأذكار بأعداد معيّنة: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ (الرعد/8). ومنها أن فقراءً زاروا الرسول ﷺ وقالوا له: «إِنَّ الْأَغْنِيَاءَ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ أَمْوَالٌ يُعْتِقُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ»، فأجابهم: «فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَقُولُوا «سُبْحَانَ اللَّهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً، وَاللَّهُ أَكْبَرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عَشْرَ مَرَّاتٍ»، فَإِنَّكُمْ تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَا يَسْبِقُكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ». كما قال ﷺ: «خَصْلَتَانِ لَا يُحْصِيهِمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ: يُسَبِّحُ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا، وَيَحْمَدُهُ عَشْرًا، وَيُكَبِّرُهُ عَشْرًا، وَيُسَبِّحُ اللَّهَ عِنْدَ مَنَامِهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَيَحْمَدُهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَيُكَبِّرُهُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ».[1]
ومن الأذكار التي اختصّ النبيٌّ ﷺ فضائلَها بالعديد من الأحاديث هو ذكر التوحيد ﴿لَا إِلَـٰهَ إِلَّا اللَّـهُ﴾ (مُحَمَّد/19). فقد وصف ﷺ ذكر «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ» بقوله: «أفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي».[2] كما قال ﷺ عن هذا الذكر الكريم: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ».[3] لقد مرّت بنا في الفصل الثاني عشر كرامة للشيخ حُسَين الكَسْنَزان عن هذا الذكر حين كان في الخلوة مع بعض مريديه. ويروي الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد رؤيا شاهدها عن بركة هذا الذكر:
«أخذوني لرؤية شخص ميّت مدفون في الأرض قد أصبح تراباً بالكامل. بينما أنا أنظر إليه رأيت نوراً ضعيفاً يسري في مواضع الشرايين والأوردة، ولكنه تراجع قبل أن يصل إلى كامل الجسد. وقالوا لي بأن هذا نور الطفولة، نور البراءة. ثم انحسر هذا النور البسيط لتحلّ محلّه نار حمراء قبيحة انتشرت في جميع الجسد، فقالوا لي بأن هذه نار الشيطان. بعد ذلك رأيت نوراً أبيض لا يمكن وصف جماله وبهائه بدأ من الرأس وانتشر في الدورة الدموية في الجسم وطرد النار الحمراء القبيحة. وقالوا لي بأن هذا النور الجميل هو نور «لا إله إلا الله»، فحين يذكره الإنسان، ينتشر في جسمه ويحفظه من النار».[4]
إن هذه الرؤيا هي تجسيد لوصف الرسول ﷺ لذكر «لا إله إلا الله» بأنه يدفع عن الذاكر النار. وذكر «لا إله إلا الله» هو أحد أوراد الطريقة الكَسْنَزانيّة، ويصفه شيخنا بأنه «سيّد الأذكار».[5]
[1] الترمذي، الجامع الكبير، ج 1، ح 410، ص 435-436.
[2] مالك، موطأ الإمام مالك، ج 2، ح 726، ص 300.
[3] البخاري، الجامع الصحيح، ج 1، ح 419، ص 158.
[4] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 12 أيار 2000.
[5] الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان، موعظة، 2 شباط 2018.