تنوّع الكرامات وأسباب حصولها
ذكر الله في القرآن أنواعاً مختلفة من معجزات الأنبياء مبيّناً بأنها تأخذ أشكالاً لا حصر لها، وكذلك هو حال الكرامات لأنها امتداد للمعجزات. وحتى النوع الواحد من هذه الخوارق الإلهية يظهر بعدد لا حصر له من الأشكال، لأن الله عز وجل قادر على أن يخرق كل قانون وعادة. فلننظر مثلاً كيف غيّر سبحانه وتعالى طبيعة النار فجعلها باردة على نبيّه إبراهيم حين ألقاه قومه فيها: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ﴾ (الأنبياء/69). فأصل خرق العادة هو التدخّل الإلهي، ولما كان هذا التدخّل يمكن أن يحدث عن طريق أي سبب من الأسباب، فليس هنالك حد للأشكال التي يمكن أن تأخذها المعجزات والكرامات.
فقد يُشفي الشيخ مرضاً مستعصياً بأن يصف للمريض أكل شيء من العسل أو شرب ماء قد باركه. ولكن لو أكل المريض ما شاء من العسل أو شرب ما طاب له من ماء لما شفي من مرضه، لأنه ليس في طبيعة العسل والماء ما يشفي تلك العلّة المستعصية. فالذي جعل في ذلك العسل أو الماء سبباً لخرق العادة هو القوة الروحية للشيخ. فهذه البركة التي أغدقها الله على النبي ﷺ ومشايخ الطريقة يمكن أن تجعل أي شيءٍ سبباً لخرق أيّة عادة، فليس لأنواع المعجزات والكرامات حد.
أما سبب حدوث كرامة ما بشكلٍ معيّن وأخرى بشكلٍ آخر، فهو من الأسرار التي لا يعلمها إلا أهلها، ولكن من الجلي أن حدوث فعل خارق بشكل معيّن دون غيره ليس أمراً عشوائياً. فمن يدرس المعجزات والكرامات لا يمكن إلا أن يستنتج وجود قوانين خفيّة تحدّد الكيفية التي تحدث بها كل واحدة من هذه الخوارق، ولكنها ليست من قوانين عالم الطبيعة.
ولنقارن، مثلاً، ثلاثاً من كرامات الشفاء الخارق لشيخنا يختلف في كلٍ منها سبب شفاء المريض. والكرامة الأولى حدثت للمريد أحمد شريف باشا من الهند في عام 2005 أو 2006، وهذه تفاصيلها كما يقصّها بلسانه:
«أصابني فالج قبل حوالي ستة عشر أو سبعة عشر عاماً. وفي حينه عالجني طبيب إنكليزي وشفيت من المرض بنسبة ثمانين بالمئة، ولكن بقي عندي شلل جزئي في الوجه، حيث بقي فمي مستديراً بشكل دائم إلى جهة اليمين. وهذا منعني من الكلام بشكل طبيعي، فمثلاً لم أكن أستطيع لفظ حرف الفاء. بعد أخذي للطريقة بفترة ذهبت إلى المملكة العربية السعودية للعمل هناك. بعد أن صلّيت الفجر في أحد الأيام وقفت أمام صورة حضرة الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان لأكلّمه مباشرة، وخاطبته قائِلاً: «في الماضي لم أكن أُصلّي وكنت ألغو كثيراً وأتكلّم السوء، ومع ذلك لم تكن لديَّ قبل إصابتي بالفالج أية مشكلة في فمي وكنت أتكلم بطلاقة. ولكني الآن درويش ملتزم بصلاتي وأذكاري ولكني لا أستطيع اللفظ بشكل صحيح، فلماذا لا تساعدني؟». وكنت أتحدّث بشيءٍ من الغضب.
حين نمت في تلك الليلة شاهدت رؤيا غريبة. رأيت نفسي في مستشفى غير مألوف لي، وكان هنالك طبيبٌ قد أتى من الصين يلبس على وجهه قناع العمليّات، وقال لي بأنه سيعالج الشلل في وجهي. ثم استلقيت على السرير وبدأ الطبيب بعلاجي بالإبر الصينية، حيث استغرق العلاج حوالي نصف ساعة غرز خلالها الإبر في مختلف أنحاء جسمي. قال لي الطبيب بعدها: «لقد اكتمل علاجك، وأنت الآن مُشافى بنسبة ثمانية وتسعين بالمئة». حينئذ سألته: «من حضرتك؟»، فكشف عن وجهه لأجد بأنه حضرة الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد الكَسْنَزان.
فنهضت فزعاً من النوم، وكانت الساعة الثالثة صباحاً، ثم توضّأت وصلّيت صلاة الفجر. ووقفت أمام المرآة فشاهدت بأن الشلل في وجهي قد اختفى تماماً وعاد فمي إلى حالته الطبيعية. أما الاثنتين في المئة التي أشار إليها حضرة الشيخ في المنام، فبقيت لدي مشكلة بسيطة جداً أحياناً في بلع بعض الطعام حين لا أكون منتبهاً حين الأكل، وكل ما أحتاجه في مثل هذه الحالات هو شرب بعض الماء».[1]
وفي كرامة أخرى في عام 2012، جاءت امرأة إلى خليفة شيخنا في الهند، عماد عبد الصمد، واشتكت له باكية بأن لديها علّة في أنفها، حيث كان مسدوداً بعظم من الولادة وكانت حالتها قد تفاقمت، وقال لها الأطباء بأنها تحتاج إلى عملية. لكن العملية تكلف مبلغاً كبيراً وهي وزوجها العاطل عن العمل لا يكادون يحصلون على قوتهم اليومي. فأعطاها الخليفة بيعة الطريقة وطلب منها أن تبدأ في قراءة أوراد الطريقة. بعد أسبوع جاءت الدرويشة لزيارة الخليفة وهي فرحة، وقالت له بأنها رأت في نومها الشيخ مُحَمَّد المُحَمَّد يقطع أنفها العليل ويستبدله بآخر، وكان يحدّثها بلغتها، وهي الأوردو. فلما أفاقت من النوم وجدت قطرات من الدم ومخاطاً على أنفها وعلى الوسادة، وقد ذهبت علّتها. وأخبرته بأنها زارت طبيبها الذي لم يصدّق روايتها، ولكنّه لم يستطع أيضاً أن يفسّر ما حدث، لأنه كان قد أخذ صورة بالأشعة السينية لأنفها العليل قبل بضعة أيام فقط وهو الآن سليم. وسألها الخليفة إن كانت قد رأت صورة شيخنا، فأجابت بالنفي، فأخرج لها صورته فلما رأتها قفزت من مكانها وأخذت بتقبيلها وأكّدت بأنه هو الذي شفاها في المنام.[2]
أما المثال الثالث فكرامة حدثت للشاعر الدكتور عبد السلام الحديثي. في أحد أيام عام 1991 ضربت عاصفة ترابيّة شديدة مدينة بغداد، فأخبر أحدهم شيخنا بأن هذا سيؤثر سلباً على صحة الخليفة عبد السلام لأنه يعاني من الربو. فلما زار شيخنا في تلك الليلة، سأله عن حالة الربو التي يعاني منها وما فعل الأطباء بشأنها، فأجاب بأنه أًصيب بهذا الربو الشديد حين كان يدرس في إيطاليا في عام 1983، ورغم مراجعته للكثير من الأطباء هنالك وفي العراق واستخدامه لمختلف الوصفات فإن حالته لم تتحسّن. فأخذ يسأله عن العلاج بالعسل، فأجابه الخليفة عبد السلام بأنه قد جرّبه، ثم أضاف بأنه لا يعتقد بأن أي شيء يمكن أن يشفيه سوى همّة شيخنا، أي بركته، فأجاب شيخنا مباشرة «همّة الرسول ﷺ». كان الدكتور عبد السلام يضطر إلى أخذ دواء الربو «فينتولين» كل يوم قبل أن ينام في الليل وبعد أن يستيقظ في الصباح. ولكنه حين ذهب للنوم في تلك الليلة لم يشعر بالحاجة له كما هو الحال، ولكنّه مع ذلك قرّر أن يأخذه تحسباً. وحين استيقظ صباحاً لاحظ مرة أخرى بأنه لا يحتاجه، فقرّر هذه المرّة عدم أخذه، ولم تصبه نوبة ربو بعد ذلك إطلاقاً. أي شفي من مرضه منذ أن طلب الشفاء ببركة حضرة الشيخ.
هنالك اختلافات واضحة بين الطريقة التي حدث فيها الشفاء في الحالات الثلاث. فقد كان العلاج في الكرامتين الأوليتين عن طريق رؤيا في المنام بينما كان في الثالثة يقظةً. وكان العلاج في الكرامة الأولى بالإبر الصينية، وفي الثانية بعملية، وفي الثالثة بدعاء. وفي الكرامة الأولى بقي 2% من المرض، بينما كان الشفاء كاملاً في الحالتين الأُخريين. وحدث العلاج الخارق في الكرامتين الأوليتين بينما المريضان بعيدان عن شيخنا آلاف الكيلومترات، بينما كان العلاج في الكرامة الأخيرة في حضوره. ولو قارنّا هذه الكرامات بغيرها لوجدنا بينها اختلافات أخرى.
والتأمّل في هذه الاختلافات يبيّن بأن لعالم الكرامات قوانينه الخاصة، وليس بعالمٍ تحدث فيه الأمور بشكل عشوائي. فهنالك أسباب روحية لحدوث كرامة ما بشكل معيّن وأخرى بشكل مختلف، وهذه الأسباب من أسرار الكرامات.
كما تتمايز الكرامات المختلفة من حيث تعقيدها وعدد تفاصيلها. فترى بعضها يتميّز بدرجة عالية من التعقيد فتتكوّن من عددٍ من الحوادث المترابطة التي تشمل عدداً من الناس المختلفين وتقع على مدى فترة طويلة وتشمل أماكن عديدة بعيدة عن بعضها، حتى تكون الكرامة الواحدة سلسلة من الكرامات المترابطة. ويوماً ذكرت هذه الملاحظة لأستاذنا وعقّبتُ معلّقاً بأن مثل هكذا كرامة تبدو وكأنها فلم سينمائي، فضرب بيده الشريفة على فخذه وقال مؤكداً بأنها فعلاً كالفلم. فهي كفلم مخرجه الخالق عز وجل. إذ تبيّن مثل هذه الكرامات من غير شك بأن يد الله هي التي صنعتها، لأنها تعكس قدرة وسيطرة مذهلة على الناس والأمكنة والأزمنة. وسيمر بنا في الكتاب عدد من مثل هذه الكرامات.
[1] فتوحي، كرامات الطريقة الكَسْنَزانِيّة في الهند، ص 28-29.
[2] فتوحي، كرامات الطريقة الكَسْنَزانِيّة في الهند، ص 17-18.