الأذكار الكَسْنَزانيّة

الأذكار الكَسْنَزانيّة

يحتاج الجسد المريض إلى طبيب أتقن علم الطب ليشخّص علته ويصف له الدواء المناسب، وكذلك تتطلّب أمراض القلب الروحية طبيباً خبيراً بتشخيص العلل الروحية وعارفاً بالأذكار التي تعالج كلاً منها. وشيخ الطريقة هو طبيب الروح، وأذكار الطريقة هي علاجات أمراض المريد الروحية. وبينما يكتسب طبيب الجسد علومه الطبية عن طريق الدراسة الأكاديمية ومن ثم الخبرة العملية في ممارسته للطب، فإن شيخ الطريقة يتلقى علومه الروحية عن طريق الرسول ﷺ ومشايخ الطريقة وعن طريق تقرّبه بالعبادات من الله عز وجل. ويوضّح شيخنا بأنه لا يصّح إدخال الأوراد إلا من قبل كِبار الأولياء، وتحديداً ممن حصل على مرتبة «الغوثيّة». فلا يأتي مشايخ الطريقة بالأذكار اعتباطاً، وليست مصادر أذكارهم علوماً نقلية مما قرأوا في الكتب أو سمعوا شفاهاً. فالشيخ لا يأمر بذكر ما إلا إذا أُمِرَ به عن طريق كَشْفٍ روحي. ويؤكّد أستاذنا بأنه لا يجوز لأي شخص أن يصف ذكراً ما لأحد إلا إذا كانت لديه إجازة بذلك، وشيخ الطريقة مجاز من مشايخ الطريقة بإعطاء الأذكار: ﴿وَدَاعِيًا إِلَى اللَّـهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا﴾ (الأحزاب/46).

كما لا يجوز لغير شيخ الطريقة تغيير أي وِرْد من أورادها. وَجَّهَ شيخنا في خلوته الأولى الدراويش معه بأن يقرأ كلّ منهم جهراً ذكر «صَلّى اللَّـهُ سُبْحانَه وَتَعالى عَلَيكَ وسَلَّم يا رَسولَ اللَّـه» مئة مرة بعد صلاة المغرب، وكان هو أيضاً يقرأه. ثم سمع يوماً درويشاً اسمه «محمود» يستبدل كلمة «رَسولَ» بكلمة «حبيب»، وهو نفس المريد الذي قال بعد أن رأى الشيخ عبد القادِر الگيلاني في الخلوة بأنه لن يستمد بعد ذلك من شيخنا وإنما من الشيخ عبد القادِر مباشرة (انظر القسم 5-7). فأرسل أستاذنا في طلبه وشرح له بأن عقيدة كل مسلم هي أن النبي مُحَمَّد ﷺ هو حبيب الله، ولكن هنالك أسرار يعلمها مشايخ الطريقة في خطاب هذا الذكر للنبي ﷺ بلقب «رَسول» بالذات دون غيره من ألقابه الكريمة الكثيرة، ونبّهه بأن لا يحاول تغيير هذا أو أي ذكر من أذكار الطريقة.

ويقرأ المريد أذكار طريقته لأن شيخه قد أجازه بها، وهذا أيضاً يعني بأن المريد يجب أن يكتفي بالأذكار التي أجازه بها شيخه ولا يلجأ إلى غيرها سواء في الكتب أو مما لدى الغير. ففائدة الذكر تأتي من كونها مُجازة للشيخ الذي أجازها بدوره لمريديه، ولذلك لا ينتفع المريد من قراءة أوراد لم يجزه بها شيخه. ويتّضح هذا الترابط أيضاً في قول الشيخ عبد القادِر الگيلاني بأنه إذا انقطع المريد عن الأوراد ينقطع عنه الإمداد. فالأذكار التي أجازها الشيخ للمريد هي حبل الاتصال بينهما، وبالتالي هي الطريق الذي يصل من خلاله المدد الروحي من الشيخ إلى المريد.

وقد فتح الله على أساتذة الطريقة الكَسْنَزانيّة بالكثير من الأذكار التي أدخلوها في فترات مختلفة. وتنقسم الأذكار الكَسْنَزانيّة إلى ثلاثة أقسام رئيسة: أوراد دائمة وأوراد يومية وحلقة الذكر.